لقد أنتشر بين المسلمين بدعة محدثة في الدين وخطيرة لأنها تمس أصل الدين ومخالفة للكتاب والسنة، وما عليه الصحابة والتابعين والسلف الصالح ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
ألا وهي مقولة؛ "الفعل كفر والفاعل ليس بكافر على الإطلاق"!
وللأسف لقد تمادى بعض الجهلة بقول؛ إن المعين لا يكفر بالإطلاق، وهذه المقولة متوافقة مع أصول جهمية المرجئة.
فقد قال الشيخ عبد الله والشيخ إبراهيم ابنا الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ سليمان بن سحمان رحمهم الله تعالى في الرد على من توقف عن تكفير الجهمية: (وأما قوله: نقول بأن القول كفر، ولا نحكم بكفر القائل; فإطلاق هذا جهل صرف، لأن هذه العبارة لا تنطبق إلا على المعين، ومسألة تكفير المعين مسألة معروفة، إذا قال قولا يكون القول به كفرا، فيقال: من قال بهذا القول فهو كافر، لكن الشخص المعين، إذا قال ذلك لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها).
وقال الشيخ علي بن خضير الخضير فك الله أسره في رسالته "أصول الصحوة الجديدة" معددا أطروحات التيار الانهزامي، ومنها: (إطلاق التفريق بين القول والقائل والفعل والفاعل دائماً وفي كل مسألة، سواء أكانت في باب الشرك الأكبر أم في المسائل الظاهرة لمن قامت عليه الحجة، مع أنه اجتمعت الأسباب وانتفت الموانع، ولذا فليس عندهم أعيان يكفرونهم إلا من جاء ذكرهم في الكتاب والسنة) اهـ.
فهذه المقولة تقال في المسائل الخفية التي يخفى دليلها على العامة دون الخاصة، وتقال أيضاً؛ من فعل الكفر في المسائل الظاهرة وهنالك مانع يمنعه من الكفر، وأما مسائل التوحيد والرسالة؛ فلا تقال هذه المقولة مطلقاً في من أرتكب ناقضاً مناقض لتوحيد الله.
فقد أشرك وكفر بما انزل على محمد عليه الصلاة والسلام، لأن مسائل التوحيد من المسائل التي بينها الله في كتابة وسنة نبيه وهي من المسائل الظاهرة، فمن أرتكب ناقضاً في التوحيد فقد أشرك مع الله وجعل مع الله نداً وينتفي عنه اسم التوحيد.
ونقل أبا بطين من كلام شيخ الإسلام بن تيميه: (إن الأمور الظاهرة التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أنها من دين الإسلام، مثل الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ومثل معاداة اليهود والنصارى والمشركين ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك، فيكفر مطلقاً) [ملخصاً من الدرر: 1/372 - 373].
فهنالك مسائل التوحيد والرسالة وشرائع الدين الظاهرة والمسائل الخفية، فمن فعل ناقضاً في التوحيد فهذا يكفر مطلقاً ولا يتوقف في تكفيره لأنه جعل مع الله نداً وانتُفِيَ عنه اسم الإسلام.
قال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ: (من فعل الشرك فقد ترك التوحيد فإنهما ضدان لا يجتمعان ونقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان).
قال أبا بطين في أخر كلامه - أي ابن تيميه - قال: (أما الأمور التي هي مناقضة للتوحيد والإيمان بالرسالة فقد صرح رحمه الله في مواضع كثيرة بكفر أصحابها وقتلهم بعد الاستتابة ولم يعذرهم بالجهل...).
وقال رحمه الله: (إن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله وصار مع المشركين على الموحدين ولو لم يشرك؛ أكثر من أن تحصر في كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم كلهم، إلا أن يكون مكرهاً أو أخطأ ولا يعذر بالجهل والتأويل، وأما المسائل الظاهرة التي غير التوحيد، كالصلاة والصيام وتحريم الخمر ومما أُجمِعَ على تحريمه، فهذه من أنكر شئٍ منها أو أستحل شئٍ منها فإنه يكفُر ولا يتوقف في تكفيره ولا يعذر بالجهل، إلا أن يكون مكرهاً أو مخطئ، فهذا إن كان لديه مانع يمنعه من التكفير، فيقال له؛ "فعله كفر وهو ليس بكافر"، وأما المسائل الخفية التي تحتاج إلى إزالة الشبهة وفهم الحجة؛ فهي التي تقال فيها مقولة؛ "فعله كفر والفاعل ليس بكافر").
وقال عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف وابن سحمان: (مسألة تكفير المعين مسألة معروفة، إذا قال قولاً يكون القول به كفراً فيقال؛ من قال بهذا القول فهو كافر، لكن الشخص المعين إذا قال ذلك لا يحكم بكفره حتى تقام عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس، كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك).
وتقال أيضاً من كان حديث عهد بالإسلام وارتكب ناقض من المسائل الظاهرة التي تكون غير مسائل التوحيد.
وذكر ابن سحمان في أول رسالة "تكفير المعين"؛ أن التفريق بين القول والقائل والفعل والفاعل في الشرك الأكبر بدعة، فالأصل في اللغة والشرع؛ "من فعل فعلاً سمى بهذا الفعل"، فمن شرب سميَ شارباً، فهل نقول لمن شرب "ماء"؛ فعله شرب ولكن هو لم يشرب؟! فالنحويين متفقون، سواء قيل بان الاسم مشتق من المصدر أو من الفعل فكل النحويين متفقون على ذلك، في أصل الاشتقاق، لأن المصدر والفعل كلاهما يتضمن الحدث الذي هو الفعل، فشارب مثلا يتضمن حدث الشرب، وهذا الحدث موجود في الفعل والمصدر، وفارق الفعل المصدر بأن الحدث قارنه زمن.
فمن أشرك مع الله غيره سمي مشركا، ومن ابتدع في الدين سمي مبتدعا، ومن شرب الخمر سمي شاربا للخمر.
وهذا والله اعلم
كتبه؛ الشيخ عبد الله بن سعد الفهد
مجلة صوت الجهاد، العدد 30، محرم/1428 هـ