مناقشة الطرح الذي عرضه الأخ د معتز ومن وافقه في أصل الموضوع
أولا : الموضوع عنوانه الانتخابات .. رؤية شرعية
يعني ما حكم الانتخابات شرعا قديما وحديثا ؟ هل من يمارسها قد وقع في الكفر أو الحرام ؟
وكانت النتيجة التي وضحت من كلام الأخ معتز
أن الانتخابات حرام بل كفر والنظام الانتخابي كفر أو حرام وأن الانتخابات هي الديمقراطية التي لا يختلف أحد من المسلمين أنها كفر إذا علم أنها حكم الشعب ممثلا في أعضاء البرلمان والنواب من دون الله ومن يمارس الديمقراطية كافر كذلك لأنها التشريع المطلق من دون الله ومن ثم يكون حكم الانتخابات والدخول في البرلمانات كفر مخرج من الملة الإسلامية من جهة أن الانتخابات وسيلة محرمة في الشرع ولها حكم الغاية وهي الديمقراطية ومن جهة أن النظام الانتخابي يعطي الشعب السلطة التشريعية وغيرها من دون الله ...
ثانيا : مناقشة هذا الكلام
قال د معتز : أما الشورى فهي النظر والترجيح في الأدلة – الكتاب والسنة – لمعرفة حكم الله في النوازل من الناحية الشرعية...
من أين لك هذا التعريف ؟! بل الشورى هي النظر من أهل الشورى فيما ليس فيه نص ولا دليل من الكتاب والسنة وهي الأمور المستجدة التي ليس فيها نص كأمور الحرب والحياة وليس في الأمور المنصوص عليها ... فما فيه النص فلا شورى ولا استشارة فيه
وقال د معتز فإذا علمت أن الانتخابات لا تتم ولا تتحقق إلا عن طريق النظام الديمقراطي وهو باطل وما بني على باطل فهو باطل....
وهذا الاستدلال خطأ فالانتخاب أمر شرعي استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه في اختيار الخلفاء والأمراء والعرفاء والرؤساء وقال تعالى ( واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ..)
فهل كان هذا الاختيار أو الانتخاب أمر باطل ؟ بل هو شرعي وربما لو قلت أن النظام الديمقراطي استخدم الانتخاب لكنت صادقا وما يعيب الأمر الشرعي أن يأخذ به النظام الديمقراطي فهل هذا يجعل الأمر الشرعي باطلا وحراما ما هذا الاستدلال أخي الكريم عندما حصلت الأزمة الاقتصادية بسبب الربا رجع معظم الدول إلى النظام الإسلامي غير الربوي وجعلوا الفائدة الربوية صفر حتى يخرجوا من الأزمة فهل نقول أن النظام غير الربوي الإسلامي باطل لأن النظم الكافرة استخدمت هذه الوسيلة ؟
فالنظام الانتخابي أو الانتخاب للأشخاص هو آلية شرعية مباحة ولم نقل واجبة لآن الأشخاص الصالحين للخلافة والولاية والإمارة وأهل الشورى كانوا إفراز طبيعي من المجتمع المسلم واختلف الأمر الآن فليس أمامنا لاختيار الأشخاص الصالحين إلا الانتخاب وهو أمر شرعي ليس فيه نص من الكتاب والسنة ولكن استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته في السنة العملية فلا يكون هذا باطلا أبدا ولكن إذا انضم إليه باطل لأصبح باطلا لأجل الباطل وليس لكون الانتخاب باطل أصلا
أتفق معك أخي الفاضل أن الديمقراطية كفر وشرك أكبر ومن التزم مبادئها بالحرية المطلقة في الرأي والتشريع فهو كافر بلا شك في حقيقة أمره عند الله أما في أحكام الدنيا فلا نحكم على المسلم بالردة إلا إذا تحققت شروط التكفير وانتفت موانعه وهذا اتفاق أهل العلم مع كونه لو مات على الكفر دخل النار ولا عذر له عند الله أما في الدنيا فالحدود تدرأ بالشبهات والموانع
قال د معتز : وعدم تحكيم شرع الله يتمثل في أن النظام الانتخابي يعطي الشعب السلطة التشريعية من دون الله ...
هذه مغالطة كبرى من جديد فالنظام الانتخابي استخدمه الإسلام واستخدمه الكفار وفي كلا الحالين ليس هو السلطة التشريعية فالسلطة التشريعية في القانون الوضعي يعينها الطاغوت وخبراؤه ومعاونيه وهي اللجنة التشريعية وليست بالانتخاب وهي مكونة من بعض أعضاء البرلمان القانونيين وأساتذة وفقهاء القانون الوضعي وهذه اللجنة كفار لقول الله تعالى ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) ثم يعرض قانونهم على البرلمان فمن قبله ووافق عليه فهو مشرك كافر وهذا تفسير العبادة لغير الله فعندما سمع عدي بن حاتم قول الله تعالى ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) قال عدي ( يا رسول الله ما عبدناهم قال صلى الله عليه وسلم : أليس كانوا يحرمون عليكم الحلال فتحرموه ويحلون لكم الحرام فتحرموه – فتأخذوا بقولهم – فأطعتموهم - فاتبعتموهم ) قال بلى قال : ( فتلك عبادتكم إياهم ) وقال الإمام الشافعي في الرسالة : ( فكل من قبل عن الله فرائضه في كتابه قبل عن رسول الله سنته ... وأن من قبل عن رسول الله فمن الله قبل ) أما من رفض التشريع المبدل لأنه يخالف الإسلام فليس بكافر وإن كان من أعضاء البرلمان وهكذا باقي مناطات الشرك في الطاعة والحكم وهي تنحصر في 11 مناط بالإجماع و هي:
1- التشريع المطلق من دون الله ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله )
2- قبول شرع غير الله ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) وتفسير الرسول لها
3- الحكم بشرع غير الله ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )
4- تحكيم شرع غير الله ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ..) الآية
5- التحاكم لشرع غير الله ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا )
6- الإباء من قبول الفرائض ( رفض الأمر ) ( فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين )
7- استحلال المحرمات ( رفض النهي ) إجماع
8- الطعن في حكمة التشريع ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ) التوبة 12
9- الاستهزاء بالشرائع ( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)
10- الاستهانة بالشرائع ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا )
11- الاستخفاف بالشرائع ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ) الروم 60 , وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول على شاتم الرسول ( فالكلام والفعل المتضمن للاستخفاف والاستهانة مستلزم لعدم التصديق النافع ولعدم الانقياد والاستسلام فلذلك كان كفرا )
فهل يا أخي وجدت الانتخاب من هذه النواقض أيكون الرسول وأصحابه أقر واستخدم كفرا وكذلك قوم موسى عندما انتخبوا سبعين رجلا إني أعيذك بالله من لازم قولك هذا فالأمر جد خطير
وقال د معتز فجعل دعاة الانتخابات – شعروا أم لم يشعروا – الكتاب والسنة لا يستطيعان أن يقدما الحلول في مثل هذه القضايا ....
مرة أخرى أنت تعتبر دعاة الانتخابات يعتقدون هذا الكفر أم ماذا ؟ كان يجب أن تقول دعاة الديمقراطية .. لينضبط الكلام خصوصا وأنت تقرر مسألة شرعية الانتخابات من عدمها أيكون دعاة الانتخاب للنقباء والخلفاء والولاة من قوم موسى ونبينا عليه السلام والصحابة رضي الله عنهم تحت هذا الاستنتاج الذي تقرره كحكم شرعي ثابت من ثوابت الدين وحتى لم تعتبره فتوى ورأي أعجبك أعيذك بالله من هذا المنزلق الخطير
وقال د معتز ( ومنها الاستهزاء بالكتاب والسنة ... وقد نهى الله عن مجالسة من هذا حالهم ...
هنا آيات سورة النساء [بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا(139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جَامِعُ المُنَافِقِينَ وَالكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا(140) ]. {النساء}. في حال التمكين في المدينة والعز والاستكبار موجود فإن الجلوس مع الكفار ابتغاءً للعزة عندهم وترويجا لباطلهم كفر ونفاق أكبر بنص الآيات السابقة وهذا ولاء مكفر وهذا حق لا شك فيه ..
أما أن تعتبر الجلوس معهم في حال الضعف والهوان كما كان المسلمون بمكة مستضعفين وكما نحن مستضعفين تحت قهر الجيوش والنظم العلمانية الطاغوتية فهذا باطل لقوله تعالى في سورة الأنعام [وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ(68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(69) ]. {الأنعام}. فالآية تأمر بالإعراض عن المستهزئين .. فإذا نسيت واندمجت في محاورتهم ودعوتهم فلا تقعد بعد الذكرى ... وإذا جلست معهم بعد الذكرى رجاء هدايتهم للحق ( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ) طالما أنت لم تستهزئ معهم فلا تحاسب على كفرهم وهنا الآيات لم تتعرض للتكفير ولم تذكره كما في سورة النساء
ثم عاد د معتز للمغالطة قائلا : زد على ذلك تبني المبدأ العلماني فصل الدين عن الدولة – شعر بذلك دعاة الانتخابات أم لم يشعروا – وبيان ذلك أن النظام الانتخابي يحمل في طياته بل من مبادئه أن مصدر السلطة ... هو الشعب لا دخل للكتاب والسنة فيها – رضي بذلك الإسلاميون أم لم يرضوا ...
يا أخي الكريم أنت لم تأت بدليل من الكتاب والسنة والإجماع أن الانتخاب والنظام الانتخابي الذي استخدمه الإسلام وغيره من النظم هو نظام كفري فهل استخدم الرسول الكريم وأصحابه نظاما كفريا هو الانتخاب للخلفاء والنقباء والولاة وأهل الحل والعقد وأهل الشورى ثم المشاركة السياسية وليست العقدية من المخالف لك فهذا أدخل السياسة في الدين وليس فصل السياسة عن الدولة .. وقد قال ابن تيمية في جـ 17 من الفتاوى ( الشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف من العقائد والأحوال والعبادات والأعمال والسياسات والأحكام والولايات والعطيات ) فالسياسة من الشريعة والولايات من الشريعة وهذا يتم بالانتخاب أو الاختيار وهذا أمر شرعي .
ثم زاد د معتز مغالطة أخرى قائلا : أن المعتبر هو الأغلبية في الشورى ناهيك عن إخضاع كل شيء يطرحه النواب للتنفيذ لعملية التصويت بحيث يكون المعتبر هو الأغلبية ...
أتستنكر أن التصويت بالأغلبية في الشورى ؟ فإن كنت كذلك فنعم هذا الأمر استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم كما في غزوة أحد كان رأي النبي صلى الله عليه وسلم أن يحارب من داخل المدينة لأنها حصن حصين ووافقه ابن أبي ولكن الأغلبية من المسلمين أشاروا عليه بالخروج فخرج لأنها الشورى وليس فرض الرأي وهذا عين مشاركة الأمة في الحكم وكذلك في غزوة الأحزاب عندما قالت غطفان يا محمد ناصفنا تمر المدينة وإلا ملأناها عليك خيلا ورجالا فقال صلى الله عليه وسلم لا حتى أستأمر السعود . بمعنى أنا موافق إن وافق أهل المدينة الممثلين انتخابيا في السعود الخمس وهم زعماء القبائل وهم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع وسعد بن مسعود وسعد بن خيثمة فقالوا كنا في الجاهلية لا نعطيهم إلا شراء أو كراء وقد أعزنا الله بالإسلام والله لن نعطيهم ذلك أبدا فأخذ برأيهم فقالت غطفان غدرت يا محمد فهذا أمر شورى وليس فيه أمر أو نهي شرعي , والشورى ملزمة للحاكم ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمنا ذلك فمن الذي خطأ مبدأ التصويت والأخذ بالأغلبية في الشورى وكذلك في اختيار الخلفاء ... فكيف تدعي أخي الفاضل أن هذا التأصيل الذي أصله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده تأصيل باطل لأن الكفار استخدموه ؟!!!!
ثم عاد د معتز للمغالطة بقوله : أن الغاية فيما يزعمه دعاة الانتخابات هو إصلاح العباد والبلاد فيستخدمون الوسيلة المحرمة ....
هل الانتخابات أصلا وسيلة محرمة في الشرع فأين الشرع الذي يقول ذلك ؟! كيف تدعي أن الانتخابات وهي وسيلة شرعية مباحة لاختيار شخص الحاكم وأهل الحل والعقد ... هي حرام شرعا ؟!
ألا تخاف من هذا المنزلق الخطير أم أن التحليل والتحريم بغير علم أمر جميل لنصرة رأي رأيته ؟! ألا تخاف من هذه الآية [وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ] {النحل:116} وقد قال الحديث ( أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار ) فالانتخابات وسيلة شرعية تماما وعندما تكلم الأستاذ محمد قطب حفظه الله عن الانتخابات والدخول في البرلمانات في عصر الطاغوت المخلوع ذكر عدة محاذير منها تمييع قضية التوحيد وقضية الشرعية ومن هنا امتنع عن الفكرة بسبب وجود محاذير وقال في نهايتها في كتاب كيف ندعو الناس ( وهذه قاعدة فقهية نهتدي بها فيما ليس فيه نص وقضية البرلمانات والدخول فيها ليس فيها نص ) فالشيخ الفاضل لم يتعدى الشرع ويقول الانتخابات والدخول في البرلمانات المعاصرة كفر أو حرام ولكن قال فيها محاذير أخرى أما القضية من الأصل فهي لا نص فيها وهي حسب المصالح والمفاسد وقد سأله شيخنا الفاضل محمد شاكر الشريف في مكة بعد الثورة هل إذا تغير الواقع وأمنت المحاذير فهل تتغير الفتوى ؟ فقال نعم إن اجتنبت المحاذير
ولذلك قلت في مداخلتي أن الانتخابات ليست حراما في الأصل والدخول في النظام الانتخابي والبرلمانات في حال الاستضعاف الذي نحن فيه يكون بحسب المصالح والمفاسد ولدفع الصائل على الدين وعلى المسلمين وهذا كلام العلماء إذا غلب العدو على بلاد المسلمين وجب الدفع عينا على كل مسلم بكل طريق ممكنة من خداع فالحرب خدعة ووقيعة ومكر ودهاء...الخ وهكذا قال شيخنا وأستاذنا الذي كان سببا في هدايتنا إلى معتقد أهل السنة والجماعة من كلام السلف الصالح حفظه الله الشيخ عبد المجيد الشاذلي بارك الله في عمره وعلمه قاله في الخطاب الديني والسياسي وغيره من الكتب والمحاضرات وكذا قاله الشيخ السعدي وعلماء آل الشيخ كالشيخ ابن باز وابن عثيمين وغيرهم وهم علماء لهم باع طويل في التأصيل والفتوى المعتبرة ... وجعلها د معتز ومن وافقه زلة عالم فهل زل هؤلاء جميعا وغيرهم وصادرت على الدليل في زلة العالم وقد أصل الشاطبي لذلك بأن زلة العالم هي التي تخالف النص في القرآن والسنة أو الاجماع أما الرأي فيما ليس فيه نص شرعي فهذا من الاختلاف المرحوم وذلك في الرأي والمشورة ولذلك وجد الاختلاف المرحوم وهذا لا يسمى زلة عالم وإنما هو الرأي والاجتهاد حسب المصالح والمفاسد الشرعية المرعية
ثم عاد د معتز للمغالطة مكررا : ومن المفاسد العظمى أيضا تبني الفكرة اليهودية بأن الغاية تبرر الوسيلة وبيان ذلك أن الغاية فيما يزعمه دعاة الانتخابات هو إصلاح العباد والبلاد فيستخدمون الوسيلة المحرمة لتحقيق ذلك ..
فكررت المغالطة الشرعية بأن الانتخابات وسيلة محرمة بلا دليل ولا نص من كتاب الله وسنة رسوله
وأخيرا ذكر د معتز مغالطة أخرى بقوله : ولا شك أن هذه المنازعة والاختلاف المذموم تتحقق في الانتخابات ... !!
كيف ذلك والانتخاب من أمور الشورى التي ليس فيها نص ولكن فيها ينتخب الأصلح للمسلمين في دينهم ودنياهم
فانتخاب أبو بكر رضي الله عنه تم من بعض كبار المسلمين في سقيفة بني ساعدة لدرء الفتنة واحتوائها فهل أخطأ أبو بكر وعمر ومن معهم من أهل الشورى مقابل قبائل الأنصار حينما تمسكوا بكون الخليفة قرشي إن وجد فهل كانت هذه المنازعة والاختلاف مذمومة وتأخر في البيعة علي وسعد بن عبادة ثم أقروه فيما بعد
ثم رشح أبو بكر سيدنا عمر للخلافة فاختاره المسلمون فوافق أهل الشورى بالإجماع ثم أعلن رد بيعتهم للناس فوافق عليه الناس جميعا وبايعوه
ثم رشح عمر خمسة أشخاص للخلافة فكانت الأغلبية لعثمان ثم وافق جميع الناس حتى كان عبد الرحمن بن عوف يسأل الناس في تجمعاتهم والرحل والمسافرون عن رأيهم في عثمان كخليفة وهي صورة من صور الانتخابات فوجد الاجماع والموافقة عليه
وإذا تتبعت السيرة وجدت من ذلك الكثير وهدفنا الوصول للحق شرعا في المسألة المطروحة وهي الانتخابات والدخول في البرلمانات المعاصرة مراعاة للعدل والإنصاف في القول والعمل
وأعيد أخي الكريم مداخلتي السابقة التي لم أخرج فيها عن الموضوع المطروح للنقاش ...شرعا وليس رأيا شخصيا وهي :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت في هذه المداخلات عدة مغالطات :
1- الدليل الشرعي والحكم الشرعي أمر ثابت لا يتغير إلى يوم القيامة ومصادر الأدلة المعصومة هي القرآن والسنة وإجماع الأمة أما الفتوى فأمر متغير بحسب الواقع والحال فالأدلة ثوابت والفتاوى متغيرة فاعتبار الفتوى من الثوابت مغالطة كبيرة ومخالفة صريحة للكتاب والسنة والإجماع
2- الانتخابات والبرلمانات أمر مباح ليس فيه نص من الكتاب والسنة وإجماع الأمة فقد استخدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال لأهل المدينة ( اختاروا لى اثني عشر نقيبا ) أو كما قال ومن بعده اختارت الأمة الخلفاء الأربعة بالانتخاب من بين أهل الحل والعقد وأهل الشورى وقد وجد المؤمن في برلمان آل فرعون الكافر قال تعالى ( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ) ثم أعلن قضية التوحيد والشرك بأعظم بيان وكذلك وجد الوزير المؤمن في نظام كافر قال تعالى ( كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ) فدين الملك ونظامه غير دين يوسف عليه السلام فالانتخاب مباح سواء استخدمه المسلم أو الكافر فهو آلية شرعية في اختيار شخص الحاكم وأهل الحل والعقد والنقباء والعرفاء ولا يكون الانتخاب المجرد كفرا أو حراما وإنما الكفر بالوقوع في مناط كفر أو شرك منفصل أو مناط حرام منفصل ينضم للانتخاب فمن جعل الانتخاب حراما أو كفرا فقد غلط غلطا فاحشا فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ولا ينعكس الأمر فيقال ما لا يتم الكفر أو الحرام إلا به فهو كفر أو حرام بل أقصى ما فيه أن يكون ذريعة ولا يكون المباح في الشرع كفرا وإنما الكفر مناط منفصل فبناء الأحكام على أن الانتخاب كفر وتبديل للشرع أمر باطل وما بني على باطل فهو باطل
3- دخول الإخوان البرلمانات أيام الطاغوت كان فيه من المحاذير الشرعية الكثير وقد ذكر هذه المحاذير الأستاذ محمد قطب حفظه الله ولم يحكم عليها بالحرمة أو الكفر وإنما ذكر هذه المحاذير في الواقع السابق وأما إذا اجتنبت المحاذير وتغير واقع الفتوى فما المانع وذكر أن هذا الأمر لا نص يحرمه فهو بحسب المصالح والمفاسد فهل هناك مانع من مساندة الإسلاميين ضد العلمانيين والليبراليين وأنصار الطاغوت الذين تجمعوا ضد الإسلام وأهله من باب ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ) والأعمال بالنيات والمقاصد أليس مساندتهم دفعا للصائل علينا وعلى الدين فما بالنا لو جلسنا ولم نساندهم وتمكن العلمانيين والطواغيت فما مقدار الأذى والفتنة وهتك الأعراض واستباحة المحرمات والدماء والأموال وكبت الحريات كمن جلس في السفينة أيا كان قائدها وترك مجموعة تخرق السفينة فما مدى الإثم الواقع على من جلس وترك الدفاع أليس هذا دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ولا دين في السياسة ولا سياسة في الدين بحجة أن المشاركة السياسية كفر أليس هذا ما يريده العلمانيين والطواغيت وأعلنوه ويعلنوه وأنتم وافقتموهم بلسان الحال فما أسعدهم بكم ... والمسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم فأين العدل والإنصاف في القول والعمل
4- الديموقراطية كفر لأنها تجعل حق التشريع لغير الله للشعب ولكنها استخدمت آليات مثل الانتخاب الحر والشورى في الحكم تشبه الإسلام وليست هي الشورى الإسلامية وهذه الآليات استخدمها الإسلام أيضا ولا مانع من استخدامها في جميع العصور
5- في حال الاستضعاف كان النبي صلى الله عليه وسلم ينادي في مجامع الناس ( من يؤويني حتى أبلغ رسالة ربي ) ( من ينصرني وله الجنة ) وقال لأصحابه ( اذهبوا إلى الحبشة فإن فيها ملكا لا يظلم أحد عنده ) وكان ملكا نصرانيا كافرا ثم مات مسلما بعد ذلك ودخل صلى الله عليه وسلم في جوار وحماية المطعم بن عدي ثم قام بأكبر مناصرة ومظاهرة للمشركين من جرهم ضد مشركي مكة وقبائل بكر لقتلهم بعض المشركين من جرهم في الحرم وكان سببا لفتح مكة فما بالنا نعتزل ولا نناصر ونظاهر المسلمين ضد العلمانيين باللسان وليس بالسيف فما هذا الخذلان والرضا بالهوان القادم على أيدي العلمانيين ومن دعا إلى ضلالة فعليه إثمها ووزرها وإثم من اتبعه ( ببادي الرأي ) لا ينقص من أوزارهم شيئا كيف وقد مكنتم لغير دين الله ؟ ولم تسعوا لتغيير المنكر ودفعه ؟ والله المستعان .
وأخيرا ألم تحسب أخي الكريم مقدار الخير الذي تمنعه عن المسلمين المقهورين في الأرض ألم تحسب مقدار الضرر الذي تجلبه على نفسك وعلى المسلمين بسبب قعودك عن المشاركة السياسية لتغليب المسلمين على العلمانيين وأنصار الطاغوت فالجهاد بالقلب واللسان والقتال فإذا جاء وقت الجهاد باللسان نتقاعس ونقع في اللبس فما بالك إذا جاء وقت الجهاد بالقتال نسأل الله الثبات .
أتتحمل كل هذه الأوزار فإن من دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من اتبعه لا ينقص من أوزارهم شيئا أعيذك وأعيذ نفسي والمسلمين بالله من ذلك فدفع الصيال على الدين والنفس والعقل والنسل والمال من أوجب الواجبات في كل العصور بلا شرط أو مانع غير شرعي
وفقنا الله لما يحب ويرضي والله الهادي إلى سواء السبيل
أبو أحمد بن عبد الله
صاحب كتاب مختصر البلاغ