مشاهد من مسرحية هزلية'١'
الوقت ليلاً، قوات من الشرطة والجيش ترافق عددًا من رؤساء النيابة العامة، توجهوا إلي مقار عدد من منظمات المجتمع المدني التي تجاوزت القانون، وتلقت أموالاً من جهات أجنبية بطرق غير مشروعة، ومارست نشاطها المشبوه دون الحصول علي ترخيص من الجهات المعنية وفق ما يحدده القانون. قرار التفتيش صدر بناء علي أمر من المستشارين أشرف العشماوي وسامح أبو زيد المكلفين من قبل وزير العدل بالتحقيق في البلاغ المقدم والمستند إلي تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلتها حكومة د.عصام شرف.
عمليات التفتيش التي تمت بحضور النيابة العامة وتحت إشرافها عثرت علي أوراق ومستندات في غاية الخطورة، تثبت جميعها تجاوزات ارتكبت في حق الأمن القومي للبلاد .. أموال سائلة تم العثور عليها في مقار هذه المنظمات بلغت نحو خمسة ملايين جنيه، لقد أصيب رجال النيابة بالدهشة وهم يعثرون أيضًا علي لفافات من المخدرات والبانجو في مكاتب إحدي هذه المنظمات.
'٢'
عدد من أصحاب ومسئولي هذه المنظمات، يعقدون اجتماعا عاجلاً يتدارسون الأوضاع، لقد أصيبوا بصدمة عاتية، راحوا يبعثون بالرسائل يستنجدون بسادتهم في واشنطن وعواصم الغرب، يبدو أن الأوراق والمعلومات التي توصلت إليها جهات التحقيق قد أصابتهم بالذعر والخوف الشديد.
ـ قال أحدهم: 'لابد أن نتغدي بهم قبل أن يتعشوا بنا'.
> رد عليه آخر: وماذا سنفعل والمستندات تديننا.
ـ قال: ليس مهمًا .. المهم هو تصوير الأمر علي غير حقيقته، فلنقل إنها مؤامرة تستهدفنا بسبب مواقفنا الرافضة لممارسات المجلس العسكري.
> رد عليه: ولكن الناس لن ينطلي عليها هذا الكلام.
ـ قال: هذا ليس مهمًا .. المهم هو ممارسة الإرهاب علي قضاة التحقيق والإساءة إليهم، وتصويرهم أمام الرأي العام وكأنهم يعملون بتعليمات من المجلس العسكري.
لقد ثار جدل كبير،، حول طريقة وأسلوب الرد، فكانت الخطة .. قالوا فلنمارس اتصالاتنا بأصدقائنا الإعلاميين، في الصحافة والفضائيات، ونطلب منهم السند والعون ومن يتخوف سنطلب منه الحياد علي الأقل، يجب أن نظهر في صورة الضحية التي تدفع ثمن مواقفها، يجب أن نبدأ معركة ديماجوجية، نطلق فيها العبارات والشعارات، ولنثق أن أصاقاءنا من الأمريكيين والغربيين لن يتركونا!!
كانت الخطة تقضي باصدار البيانات وعقد المؤتمرات ودعوة الفضائيات وإثارة البلبلة، والمطالبة بإغلاق ملف القضية وفتح المقرات، وممارسة النشاط مجددًا.
'٣'
مسئول بالخارجية الأمريكية يبدي قلق بلاده من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة 'هكذا يقولون' ضد منظمات المجتمع المدني في مصر .. وزير الدفاع الأمريكي يجري اتصالاً بالمشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة يطالبه فيه بفتح مقرات المنظمات والسماح بممارسة نشاطها ويعرب عن رفض حكومة بلاده للإجراءات التي تم اتخاذها.
الخارجية الألمانية تستدعي السفير المصري في ألمانيا وتعرب له عن احتجاجها علي الإجراءات التي اتخذتها مصر ضد إحدي المنظمات الألمانية العاملة في مصر.
لقد تجاهلت ألمانيا أن هذه المنظمة تحديدًا مارست نشاطًا غير مشروع في مصر، وعقدت العديد من الندوات لعدد من الكوادر والنشطاء المصريين لتدريبهم علي فن الدعوة للتظاهرات والحشد الجماهيري واطلاق الشعارات ومواجهة السلطات، كما أن المنظمة ذاتها وبالاشتراك مع معهد 'جوته' الألماني في مصر لعبا دورًا مشبوهًا في إذكاء ومساندة التظاهرات الفئوية ضد الحكومة.
أما المعهدان الديمقراطي والجمهوري الأمريكيان، فقد كشف النقاب في وقت سابق عن دورهما في تدريب النشطاء وشباب بعض الأحزاب والحركات علي التظاهر والاعتصام ومقاومة السلطات وبث الشائعات وغيرها من الأساليب التي تمثل في عرف القانون 'خيانة للأوطان ومؤامرة تحاك بمشاركة جهات أجنيبة وأجهزة استخبارية تتحرك تحت يافطات تحمل أسماء منظمات لنشر الديمقراطية وحقوق الإنسان.
'٤'
مواطن مصري يجلس أمام التلفاز، يشاهد بأم عينيه مذيعًا تليفزيونيًا يقلب الحقائق، ويحرض علي القضاة يكذب كما يتنفس، انه واحد من ثلة المحرضين الذين ركبوا الموجة وراحوا يشعلون النار في جسد الوطن، مع أنهم كانوا بالأمس من خدمة النظام السابق.
يتساءل المواطن المصري بكل حسرة: همه عاوزين إيه، بالأمس كانوا يقولون لا تلقوا بالاتهامات جزافًا علي الناس، انتظروا قرار القضاء، واليوم عندما يتخذ القضاة إجراءات تدخل في إطار مهمة التحقيق تنقلب الدنيا رأسًا علي عقب.
عدد من مرشحي الرئاسة منزعجون، لان ذلك ـ قال إيه ـ يمثل اعتداء علي حق المجتمع المدني .. وتجاهلوا أن قضاة التحقيق هم أصحاب هذا القرار .. مساكين أنهم أصبحوا مجرد دمية في أيدي بعض المشبوهين .. لقد لفظهم الشعب بسبب انحيازهم الأعمي لأصحاب الصوت العالي، دون مراعاة لمصلحة البلاد.
تساءل المواطن المصري بحسرة .. كيف سيحكمنا هؤلاء، حتمًا سيكونون مجرد أداة للمبتزين والأفاقين وعناصر الطابور الخامس.
البرادعي يكتب في حسابه علي تويتر 'منظمات حقوق الإنسان هي أيقونةالحرية، وسنراقب عن كثب أية محاولات غير شرعية لتشويهها' .. الرجل لا يخجل، إنه يردد ذات الكلمات التي اطلقها المتحدث باسم الخارجية الأمريكية .. هل هذا يصلح لحكم مصر!!
الدكتورة فايزة أبو النجا قررت أن تعقد مؤتمرًا صحفيًا تكشف فيه الحقائق، إنها سيدة بألف رجل، وطنية، غيورة علي بلدها، لا تتردد في المواجهة مهما كان الثمن، لأنها لا تقول إلا الحق، مهما كان الثمن في المقابل!!
'٥'
المحامي علي إسماعيل يدلي بمعلومات غاية في الخطورة أمام قضاة التحقيق يقدم ملعومات وأرقام حسابات تخص بعض هذه المنظمات، ويخص بالذكر حركة ٦ ابريل، يتهمها بتدريب عناصرها في الخارج تدريبا عسكريًا لإحداث عمليات تخريب وإشعال الفتنة في البلاد .. اتهامات تطال الحركة ومسئوليتها عن تصعيد الاشتباكات في أحداث شارع محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو.
'٦'
٦ أبريل ترد علي هذه المعلومات وتنظم وقفة ترفض فيها مداهمة مقار هذه المنظمات وتعتبر أن ما يجري يأتي في إطار تصفية الحسابات.
مصدر مسئول بمجلس الوزراء يدلي بتصريحات إلي 'بوابة الأهرام' يؤكد فيها أن تحقيقات اللجنة التي تم انتدابها من وزير العدل للقيام بأعمال التحقيق في قضية التمويل الأجنبي كشفت عن تورط أكثر من ٠٩ جمعية ومنظمة أهلية في تلقي تمويل من الخارج دون تصريح من الجهات المعنية، واستخدامه في إثارة الفوضي في البلاد بعد ثورة ٥٢ يناير.
'٧'
حركة صوت الأغلبية الصامتة تعلن رفضها التام للتصريحات الأخيرة الصادرة عن الإدارة الأمريكية، وتحذر من التدخل في الشأن المصري وتقول إن الأمن القومي المصري خط أحمر لا نقبل بتجاوزه أو التهاون فيه، وتتساءل عن مصلحة الولايات المتحدة في التستر علي المتورطين والدفاع عنهم!!
'٨'
اجتماعات مكثفة، واتصالات بين السفارات الغربية والنشطاء، يجب الرد علي الحكومة، خاصة بعد الإعلان عن توسيع دائرة الاشتباه في تورط المنظمات والأفراد ليصل العدد إلي ٠٠٢ منظمة وشخص، خاصة بعد أن كشفت التحريات التكميلية أن المشتبه فيهم تسلموا التمويل في صورة بمالغ مالية أو عينية مثل أراض وممتلكات كانت مملوكة لجهات أجنبية في مصر.
التحقيقات ربما تمتد إلي دور بعض الأنظمة الخليجية في إنشاء صحف وفضائيات علي أرض مصر، لا هدف لها إلا التحريض ضد أمن البلاد واستقرارها، وبالتبعية يمتد التحقيق إلي العناصر التي حصلت علي هذه الأموال بطرق غير مشروعة.
مصادر مقربة توقعت احتمال ضم التحقيقات التي تجري حول تلقي بعض الذين رشحوا أنفسهم في انتخابات مجلس الشعب أموالاً من جهات أجنبية، كما أن هناك احتمالا بضم التقرير الذي نشره موقع ويكيليكس أول من أمس والذي تضمن تقارير السفيرة الأمريكية السابقة مارجريت سكوبي حول أسماء ٦٢ شخصية مصرية بارزة تلقت أموالاً وقدمت معلومات إلي السفارة الأمريكية خلال توليها منصبها كسفيرة لواشنطن في مصر.
'٩'
المستشاران أشرف العشماوي وسامح أبو زيد قاضيا التحقيقات يقرران استدعاء ٣١ رئيس منظمة حقوقية للاستماع إلي أقوالهم في الوقائع المنسوبة إليهم بتلقي أموال من جهات أجنبية، كما جري انتداب لجان فنية لفحص الأوراق والمستندات والحواسب الآلية التي تم التحفظ عليها بـ٧١ مقرًا لمنظمات حقوقية ابرزها المعهدان الجمهوري والديمقراطي الأمريكيان ومنظمة فريدم هاوس، والمركز العربي لاستقلال القضاء 'ناصر أمين' ومنظمة مرصد الموازنة العامة وحقوق الإنسان وغيرها.
'٠١'
بقيت كلمة أخيرة .. لقد اختلط الحابل بالنابل، وأصبح القضاء هو المدان، والمتهمون هم الضحايا، انها ازدواجية المعايير التي تمتد من الطابور الخامس إلي سادتهم في واشنطن والغرب.
وإذا كنا ندرك أن من يهن عليه بيع الوطن وخيانة ترابه والسعي إلي تنفيذ أجندات معادية تستهدف تقويض كيانه واجهاض ثورته، يستطيع أن يكذب وأن يتجني، لكن السؤال يبقي .. ماذا عن النخبة التي صدعت رءوسنا بالحديث عن الشفافية وضرورة إعلان الحقائق كاملة؟
لقد انقلبوا علي مقولاتهم، وراحوا يحذرون ويهددون ويتوعدون، وكأنهم أصبحوا هم أيضًا عبيدًا في بلاط أسيادهم الأمريكيين والمتصهينين .. لأنهم ادركوا أن الأمر جد، لا هزل فيه .. انها نفس الوجوه التي وجهت الاتهامات لبعض أعضاء المجلس العسكري وبعض الإعلاميين والحكوميين الذين تحدثوا عن مخطط أجنبي يستهدف إثارة الفوضي في مصر عن طريق تمويل بعض المنظمات والأفراد بالأموال التي بلغت نحو ٠٠٧١ مليون جنيه في فترة زمنية محدودة، وتحديدًا بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير،
إن هذه القضية، هي قضية أمن قومي، ترتبط بمخطط يستهدف إثارة الفتنة والتخريب في البلاد، وشواهده واضحة، في البالون وماسبيرو ومحمد محمود وأمام السفارة الإسرائيلية وشارع قصر العيني.
مخطط استخدمت فيه الأموال المشبوهة والأيدي الآثمة، والعقول المتآمرة التي لاتزال تخطط لتنفيذ مؤامرة كبري في الذكري الأولي لثورة ٥٢ نياير المقبل.
إن ثقتنا في القضاء المصري كبيرة، ونحن علي يقين من أن قضاة مصر الشرفاء لن يتأثروا بهذه الحملة المسمومة التي تشارك فيها صحف وفضائيات عدة في الداخل والخارج، ناهيك عن الضغط السياسي علي إدارة الحكم في البلاد.
أما هؤلاء الذين باعوا ضمائرهم من نخبة فاسدة مفسدة آلت علي نفسها أن تكون مطية للمارقين والخونة والفاسدين، فهؤلاء فقدوا مصداقيتهم ومآلهم حتمًا إلي مزبلة التاريخ.
حقًا لقد صدق وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول عندما تحدث عن منظمات المجتمع المدني الممولة بالقول 'إن أمريكا لن تساند هذه المنظمات إلا إذا أصبحوا جنودًا أمريكيين مخلصين'!!