- تعتبر عملية التحكيم أو ما نسميه الجلسة العرفية أو القعدة في قريتنا ارثا من العصر القديم حافظ عليه الخلف بعد أن أسسه السلف بحرفية ومصداقية وأحاطوه بضمانات متينة و حاصروا بالقواعد التي تطورت مع الزمن كل عوار يظهر في عملية التحكيم ومن قواعد التحكيم التي ظلت راسخة حتي عهد قريب :
1- حتمية الإنصياع لطلب التحكيم من أي شخص والرضا بحكم الناس متي طلب اليه ذلك .
2- اختيار المحكمين من بين عدد محدود من الأشخاص في البلد يشهد لهم الجميع بالمصداقية والجدية والأمانة والخبرة والفهم ويكن لهم الجميع أثناء الجلسة كل تقدير وتوقير ولهم الحكم على كل من يحضر الجلسة سواء من الأطراف أو الشهود أو المتابعين ويكون عددهم وترا ويتم اختيار المرجح بالإتفاق وإن لم يكن فحامل الشيكات هو المرجح .
3- الخوف الشديد من يمين المصحف وتقديس عملية الحلف سواء خوفا من الله وعقابه في الآخرة أو لما شاع بأن من يحلف كاذبا يصاب بالعمي ثم وصمة العار التي تلاحقه هو وأبناءه من بعده إن علم الناس من بعد بأن اليمين كان على واقعة كاذبة وذلك من الطرف في النزاع أو من الشاهد .
4- دعوة الناس الي حضور جلسة التحكيم وذلك لضمان العلنية .
5- علنية الجلسة وسرية المداولة وتصدر الاحكام باسم اللجنة كلها دون الإفصاح عن آراء الأعضاء منفردين مع بقاء سرية وقائع المداولة حتي بعد الحكم وتنفيذه .
6- مبادرة كل طرف إلي تنفيذ الحكم بعد القضاء به مهما كان التنفيذ مؤلما ، فان كان الحكم بأداء مبلغ نقدي فإن تنفيذه قد يتطلب نظرة الميسرة التي غالبا ما تكون شهر .
7- يقسم الطرفان يمينا على التصالح وعلى الصفاء والوئام بينهما .
8- يعتبر حكم الجلسة العرفية نهائيا وباتا وواجبا تنفيذه فإن وجد المحكوم عليه أن اللجنة العرفية او هيئة التحكيم قد حكمت ضده ظلما منها فله أن يطلب من رئيس اللجنة البدء وقبل تنفيذ حكم اللجنة أن يبدأ اجراءات تحكيم مع أعضاء اللجنة وهنا تعتبر لجنة التحكيم بكامل أعضائها طرفا في خصومة تحكيم جديدة بينها وبين المتظلم من الحكم فإن حكمت اللجنة الجديدة بينه وبين اللجنة القديمة أصبح الحكم الاخير نهائيا وباتا وقاطعا ولا يجوز التظلم منه بأي حال من الأحوال .
9- بعد بقاء قيمة الحق لدي المضرور لمدة معينة تزيد وتنقص على حسب قيمة الضرر يقوم المضرور من الوقائع محل التحكيم باعادة المبلغ المحكوم به إلي المحكوم عليه وشاع قولا بين الناس أن المبلغ المحكوم به حرام علي المحكوم له الإنتفاع به في طعام او كساء أو أي نفقة اخري .
10- ردعا لكل من تسول له نفسه أن يتحدي المجتمع كله برفض المثول أمام التحكيم لأخذ الحق منه أو له بقي الإقتتال بين الطرفين حلا احتياطيا يستبيح الطرف الذي دعا الي التحكيم دم الطرف الذي رفضه بالإضافة الي العقوبة الادبية المتمثلة في الإمتهان الادبي من الجماعة.
هذه المبادئ العشرة تعتبر صلب مسألة التحكيم وللمسألة أيضا مبادئ متفرعة منها مثلا التزام طرفي التحكيم بالقرار طوعا أو جبرا والجبر إما بدفع مبلغ نقدي تحت حساب التحكيم لتغطيته حال الحكم أو اعطاء عقد بيع بقطعة أرض أو منزل أو جاموسة مثلا أو توقيع شيك أو كمبيالة على بياض ومن وقت قريب وبعد الغاء الشيكات أصبح الأقرب هو اعطاء ايصال أمانة موقع علي بياض ، ومن المبادئ الفرعية أيضا أثناء التنازل عن الحق في الجلسة بعد الحكم به أن تعطي قيمة الحق لأعز شخص لدي المحكوم له ليرد هو الحق بوصفه ( الكبير بتاعه ) ، ومن القواعد أيضا أن الخطأ قبل الإلتزام بالتحكيم له قيمه أما الخطأ بعد الإلتزام ولو بالكلمة فقيمته مضاعفة لأنه خطأ في حق الطرف الأخر والهيئة الإجتماعية ممثلة في لجنة التحكيم .
- على مدي عقود طويلة انتظمت عملية التحكيم في الأرياف عموما وفي قريتنا خاصة انتظاما لم يصل اليه كثير من النظم القضائية المتقدمة ، وكان ذلك لحياد المحكمين وتجردهم وخوفهم الشديد من الله ومن قول الزور أو الجور في الحكم ، غير أنه مع قرب حقبة الثمانينات على الإنتهاء بدأ التحكيم في الأرياف عموما ينحرف عن وظيفته الأصلية وهى اقامة العدل وكان ذلك لتغيرات اجتماعية بلغت أوجها في العقد الماضي وكان أكبرها انتشار الفساد والوساطة على نحو وبائي سرطاني أدي إلي ظهور مراكز قوي اجتماعية لا تلقي للأمن الإجتماعي ولا لقيمة العدالة بالا بل ولا تفهم معني الأمن الإجتماعي ولا قيمة العدالة فضلا عن ضعف الإيمان وغياب الفهم الديني الشرعي وانشار ظاهرة تعاطي والإتجار في المخدرات و اختفاء الطبقة المتوسطة فأصبحت الأرياف بصفة عامة مراكز للفقر المدقع والأمراض المزمنة ونظرا لإرتباط هذه المراكز القوية بالسلطة الفاسدة فقد نالها نصيبها من الفساد مما أثر على طريقة اختيار اعضاء لجان التحكيم وانحرفت الوظيفية التحكيمية فأصبحت سبقا بين أشخاص معدودة في كل قرية يطمح كلا منهم أن يكون عضوا في جلسات التحكيم وتشجيعا منه للمجتمع لوضعه في هذه المكانة فقد قرر أن يتخلي عن دوره في الحكم وينصب نفسه حاميا للطرف الذي قام باختياره واصبحت الجلسات العرفية في الأرياف عموما طريقة مشوهه لفض المنازعات يتم اللجوء اليها بشكل غير منتظم لا تراعي المبادئ التي كانت تحكمها في الزمن الماضي ولا تستشرف المتغيرات في العصر الحديث حافظت على مظهر المحكمين الذين احتفظوا بجلابيبهم وعباءاتهم كارث من المحكمين الاول ولكنهم لا يشعرون بنفس قلوبهم ولا يفكرون بآليات عقولهم ولا يستشعرون في أنفسهم طمأنينة وايمانا كالأقدمين كما أن انهيار المنظومة الإجتماعية التي كانت تحكم الأرياف آذن بزوال وظيفة التحكيم .